• ٢٤ تشرين ثاني/نوفمبر ٢٠٢٤ | ٢٢ جمادى الأولى ١٤٤٦ هـ
البلاغ

الفلسطينيون تحت صدمتين!

د. عادل محمد عايش الأسطل

الفلسطينيون تحت صدمتين!

قُضي الأمر، بعد أن أقدم رئيس الولايات المتحدة "دونالد ترامب" على رمي الصخرة الثقيلة في البئر العميقة، حيث قفز فجأة، وبجرأة فاحشة، إلى الاعتراف بأنّ القدس هي عاصمة الدولة الإسرائيلية، وبأنّ السفارة الأمريكية ستنقل إليها فوراً، متحدياً بذلك المجتمع الدولي برمّته، خاصّة وفي ضوء قيامه بتعويج سير الإستراتيجية الأمريكية، التي داومت واشنطن على التمسك بها والمكوث عليها، طيلة العقود الطويلة الفائتة.

مثّلت هذه الخطوة، الصدمة الأولى، بعد أن توقع الفلسطينيون، بأنّ "ترامب" لن يُقدم على مثل هذه الخطوة، لاسيما وهو مشغول في تنجيد (صفقة القرن)، والتجنيد لها، وهي التي عزم على نشرها، بهدف حل القضية الفلسطينية،. وما زاد الأمر سوءاً لديهم، هو، من أين أتته تلك الجرأة؟ وكيف حصل عليها؟ وكيف يمكن أصلاً القيام بهذا الإجراء من خلال شخص كهذا، يمكن القول، بأنّه كان محل ملاحظات داخلية وخارجية؟

وبالتوازي، فقد سقطت عليهم الصدمة الأخرى - وهي أشد وطأةً من الأولى- ، حيث عكست شدّتها، نبرة ردود الفعل الآتية من العرب والمسلمين وحتى الغربيين، والتي جاءت متراخية ومثيرةً للخجل أيضاً، فلمسناها وكأنّها قد سبق التحضير لها من قبل، ثمّ بعد ذلك، ولتخبئة سياستهم الدبلوماسية الفاشلة، أوجدوا حالة احتجاجية محمولة على أكتاف التهاون والخذلان، ما يُفسر السلوك لديهم، بأنّهم لن يفعلوا أكثر مما حصل، مع علمهم بأنّ احتجاجاتهم مجتمعة ليست كافية.

من المهم أن نتذكر في هذا السياق، بأنّ الخطوة، وقعت رغم الاعتراض الشديد من البيت الأبيض وجهاز الاستخبارات الأمريكية، ومسؤولين رفيعي المستوى، وجهات أمريكية نافذة، وحتى اللحظة الأخيرة تقريباً، حاولت الطواقم الدولية (ولاسيما الحلفاء والأصدقاء)، إقناع "ترامب"، بأنّ خطوته هي خطأ تاريخي، وستُعقّد مسيرة السلام.

يزيد من هول الصدمة، عندما نلاحظ، بأنّ لا فرق بين خطوة "ترامب" هذه، وبين (صفقة القرن)، التي أعلن عن وضعها هو نفسه، وقد زعمت بعض المصادر، أنّ العرب لم يرفضوها، ولم يعلنوا عن تحفظات بشأنها على الأقل، برغم أنّها خالية من القدس الشرقية كعاصمة للدولة الفلسطينية المنتظرة، بل إنّهم قالوا بأنّهم مستعدون للقبول بها، وإجراء الضغوطات اللازمة على الفلسطينيين للقبول بها أيضاً.

"ترامب" ورئيس الوزراء الإسرائيلي "بنيامين نتانياهو" تعادلاً تقريباً من حيث شعورهما بالراحة وأكثر من ذي قبل، خاصّة وأنّهما فقدا أذىً محدقاً، واكتسبا رصيداً داخلياً على الأقل، حيث قام الأوّل بإيفائه بوعده كأول رئيس للولايات المتحدة، وضمن تسجيل اسمه في التاريخ الدولي، وأكّد الثاني، بأنّه كان صاحب الفضل في جلب "ترامب" وحمله على اتّخاذ تلك الخطوة والتي أمِل من خلالها، تغطية بعضاً من خطاياه.

إنّ تلك الخطوة، والتي دخلت حيز التنفيذ منذ التغوّه بها، هي أصبحت كحقيقة واقعة، وفي ضوء احتمالات مُتقدمة، بأن تحذو بعض الدول في الشرق والغرب، حذو "ترامب" خلال أوقات لاحقة، وإذا ما أراد العرب بخاصّة، التصدي لتلك الخطوة، فإنّ ذلك يتطلب استنهاض ثلاث خطوات رئيسية فورية برغم أنّها (مستحيلة)، باعتبار أنّ الدبلوماسية الحاصلة الآن أو المزمع القيام بها مستقبلاً، لن تسمن ولن تغنِ من جوع.

تتمثّل الأولى القيام بإنهاء المشكلات القائمة بين الدول العربية، والشروع بتشييد علاقات شاملة بنّاءة، والثانية تحجيم علاقاتها مع الولايات المتحدة وإخفاضها إلى أدنى مستوىً، وبالتوازي النهوض نحو إجراء استعدادات حقيقية لإمكانية تشكيل حلف عربي- إسلامي، للحرب ضد إسرائيل، أو لإرغامها على قبول حلولٍ عادلة على الأقل.

إنّ رؤية الواقع، وبرغم ورود بعض الردود الصاخبة، وسواء المتجهة إلى الولايات المتحدة، أو الذاهبة إلى إسرائيل، تشير إلى أنّ احتمال أن يتراجع "ترامب" حقّاً عن قراره، هو عين العبث،  خاصّة وأنّ تلك الردود، بدت وكأنّها مجرد خداع، يهدف إلى امتصاص غضبة الشعوب، برغم معرفة أصحابها، بأنّ الفرصة باتت مواتية أكثر أمام الإسرائيليين لمواصلة تهويد ما تبقى من المدينة المقدسة. 

ارسال التعليق

Top